القائمة الرئيسية

الصفحات




كَسَلا مدينة تقع في شرق السودان على ارتفاع 496 متر (1627 قدم) فوق سطح البحر، وعلي بعد 480 كيلومتر (298 ميل) من العاصمة الخرطوم. وهي عاصمة ولاية كسلا، وتتميز بموقعها علي رأس دلتا نهر القاش وعلى سفوح كتلة جبلية تُعرف باسم جبال التاكا قريبة من الحدود الدولية بين السودان وأريتريا مما اكسبها أهمية اقتصادية واستراتيجية، وجعل منها قطباً حضرياً جذب العديد من الجماعات المهاجرة من أقاليم السودان المختلفة ومن البلدان المجاورة.[2]

أصل التسمية[عدل]

أخذت مدينة كَسَلاَ (بفتح الكاف والسين) اسمها من «جبل كسلا» الذي يُعتَبَر من أهمّ المعالم الطوبوغرافية بالمنطقة، وهي إحدى العواصم الإقليمية القليلة التّي تحمل اسم ولايتها، إلا أن الروايات أختلفت في معنى اللفظ كسلا، فهناك من يقول بأن الكلمة ترادف بلغات البجة المختلفة، لفظ «مرحبا»، وهي أيضا تعني المكان «الظليل» بلغة قبيلة الهدندوة، وهناك من يرى بأن اللفظ كسلا ما هو إلا تحريف للفظ «كَساي-ألا» بلغة البداويت المنتشرة في المنطقة، وتعني زوال ظل الجبل، ويعتقد البعض بأن الاسم مرتبط بزعيم حبشي هو كَساي لول، والذي شنّ حرباً على قبيلة الحلنقة وتعقبها إلى أن وصلت المنطقة التي تقوم عليها كسلا حيث دارت معركة نهائية وحاسمة بينه وبينها انتهت بمقتله في المكان الذي يسمى اليوم ربا كسلا. [3]

التاريخ[عدل]

مخيم لبدو من البشاريين في عام 1906
محارب قبلي من البجة في سنة 1920

التاريخ القديم[عدل]

دلت الاستكشافات والبحوث التي أجريت على قطع الفخار وغيرها من الآثار التي عثر عليها في المنطقة على أن المنطقة التي تقوم عليها كسلا الآن كانت على صلة وتبادل تجاري مع مصر والنوبة وبشكل خاص مع مملكة كرمة، وجنوب شبه الجزيرة العربية واكسوم في أوقات متفرقة.[4]

ويرجع ظهور كسلا كمدينة تاريخية الي ما قبل 1636 م، فقد ورد اسم ساكنيها في كتاب صورة الأرض للعالم ابن حوقل وكذلك العالم ابن عبد الظاهر في كتابه «تشريف الأيام والعصور» وتحدث عن معارك قبيلة الحلنقة مع الجيش الذي أرسله السلطان المملوكي بمصر وعن مناطق القاش وجبال التاكا.

حكم الفونج[عدل]

ازدهرت منطقة كسلا الواقعة تحت سفح جبل اويتلا والذي كان محاطاً بسور تعرض للهدم من قبل جيوش مملكة الفونج، حيث دارت معركة كبرى في سنة 1656 م، عرفت بمعركة اويتلا، قاد مقاتلي المشيخة فيها الشيخ محمود بن عثمان. ومن تداعيات المعركة وقوع أبنته ريرة في الأسر والتي انتحرت لاحقاً في المنطقة المسماة حالياً باسمها، وخضعت كسلا لحكم مملكة سنار.[5]

العهد العثماني[عدل]

اختارت جيوش الدولة العثمانية أثناء احتلالها للمنطقة وانتزاعها من حكام سنار سنة 1840 م، مدينة كسلا لتكون عاصمة لإقليم اطلقوا عليه اسم التاكا، وفي فترة السيطرة العثمانية للمدينة تم تشييد مباني المديرية وبعض المنازل الحكومية ومنطقة الحامية العسكرية، وأصبحت كسلا قاعدة تنطلق منها حملاتهم وغزواتهم العسكرية نحو المناطق المجاورة حتى داخل إريتريا الحالية لإخضاع قبائل هناك مثل البازا والباريا.

ثورة الجهادية السود - مارس 1865[عدل]

وفي العهد التركي شهدت كسلا سنة 1865م تمردا قام به افراد من الجنود السودانيين التابعين لحامية كسلا التركية المصرية عرف بثورة الجهادية السود وذلك بسبب تأخر صرف أجورهم ورواتبهم، ووفقاً للمؤرخ اللبناني نعوم شقير الذي رافق حملة كتشنر1896-1898م، فإن المتمردين رجعوا عن تمردهم بتدخل من السيد الميرغني، إلا أن قائد الحامية حاول الفتك بهم بعد عودتهم فهاجموا الفرقة المصرية فيها وقتلوا الضباط المصريين وانتشروا في المدينة ونهبوها.

جاءت رواية نعوم شقير لثورة الجهادية بكسلا في مارس 1865 مفصلة في ثمانية صفحات من كتابه «تاريخ وجغرافية السودان» احتوت على العديد من المعلومات ومنها أن حامية كسلا كان بها 4000 من الجهادية السود ومعهم ألف فرد من جنود الباشبوزق الأتراك والشايقية ووفقا لرواية شقير أن مدير مديرية كسلا، حاكمها العام، حبنئذ إبراهيم بك أدهم لم يقم بصرف الرواتب النقدية لأفراد وضباط الجهادية لفترة بلغت الستة أشهر ولذلك رفض الجهادية السود الإنصياع لأوامر الخروج في غزوة إلى جبال البارية والبازة وأعلنوا التمرد، فقام قائد الحامية بتسليح التجار المغاربة وأهالي المدينة ونشرهم على أسوار المدينة للدفاع عنها. وفي تلك الغضون قام السيد الحسن بن السيد محمد عثمان الميرغني بتوزيع كل ما كان في الحامية من نقود على الجهادية؛؛ «فأصاب كل منهم أربعة ريالات ثم عنفهم على مسلكهم وطلب منهم أن يرجعوا إلى كسلا فرضوا» حسبما ما ذكر في كتاب شقير واستطرد بأن قائد الحامية الجديد «حاول تدبير حيلة للقضاء على المتمردين فوجههم للميتكناب غير أنهم أدركوا أن في الأمر دسيسة فهجموا على ضباط الفرقة من المصريين وقتلوا أغلبهم وهاجموا البلدة ونهبوها ثم عادوا إلى كسلا. أخذت كسلا أهبة استعدادها لمواجهة هجوم الجهادية فأدخل الشايقية والمغاربة داخل السور ووضعا على الباب الغربي في برج الحلانقة وأمرا بضرب الجهادية عند وصولهم للمدينة. عندما أقدمت أورطة الجهادية جاءت سائرة بالنظام العسكري فأمر القائد بعدم التعرض لها غير أن أحد الضباط المصريين أطلق النار وقتل إثنين من أفراد الأورطة انتقاما لابن عمه الذي قتله الجهادية في تمردهم الأول. دخل الجهادية القشلاق هائجين وقاموا بقتل جميع الضباط المصريين وكان عددهم 26 ضابطا - انقسم الجهادية لأربع فرق حسب أجناسهم هي الدينكا والفور؛ والنوبة والمولدين وانتشروا في المدينة ينهبون ويسرقون.»

استنجد قائد كسلا بالخرطوم وكان أول مدد وصل إلى كسلا بقيادة علي كاشف الكردي ومعه أربعمائة من جنود الباشبوزق في نهاية يوليو 1865. ونهب الجهادية جمل أحد جنود علي كاشف وسلاحه فتدخل السيد حسن الميرغني وتمكن من استرداد الجمل والسلاح لكن الجهادية أنكروا قيامهم بنهب الذخيرة فهجم عليهم علي كاشف ودارت بينهما معارك قام الجهادية فيها باطلاق النار على المارة فحجز الناس أنفسهم في منازلهم لمدة 26 يوما. انتدب بعد ذلك الضابط السوداني آدم بك بن محمد ضو البيت وهو شيخ قبائل دار حامد بكردفان لوضع حد للتمرد. وعندما وصل حامد بك خاطب الجهادية واقنعه بالخروج من كسلا وبدا أنهم قد اطمأنوا إليه فخرجوا كما أمرهم إلى المنطقة بين جبلي كسلا ومكرام وقامو بتسليم اسلحتهم. كما وصل مدد آخر إلى كسلا تحت قيادة؛؛ جعفر باشا مظهر عن طريق سواكن، وقد قام جعفر باشا بتقسيم الجهادية إلى ثلاث فئات وحكم على الفئة الأولى التي بدأت بالثورة بالإعدام «فأوثقوهم وصفوهم على خندق حفروه لهم في سفح جبل مكرام وضربوهم بالرصاص فسقطوا في الخندق ثم ردموا الخندق فكان الردم تلا ظاهرا وهكذا انتهت ثورة الجهادية السود في كسلا بعد أن جرت الخراب على أهلها وضاع فيها الكثير من النفوس والأموال. ولم تكتف بهذه بل جرت وراءها ذيلا أي حمى وبائية نجمت عن فساد الهواء لكثرة القتلى فمات بها خلق كثير». قال شقير.

ظهور الختمية[عدل]

شهدت كسلا نمواً مضطرداً وإزدادت أهميتها بظهور قرية السنية (الختمية لاحقاً) المتاخمة لها تحت جبل كسلا عندما اختارت اسرة الميرغني مؤسس طائفة الختمية المدينة في عام 1840 م، لتكون مركزا لها ولنفوذها الروحي الممتد إلى أنحاء السودان المختلفة، مما أدى إلى هجرة كثير من سكان السودان إليها خاصة من المديرية الشمالية (ولاية نهر النيل والولاية الشمالية حالياً) إلى المنطقة واشتغلوا بالزراعة في دلتا نهر القاش.وقد استقبل الحلنقه الاستاذ محمد عثمان الميرغني الختم وكان شيخهم في حينها هو الشيخ يعقوب بن مالك بن الشيخ عبد الله ابورايات بن علي الحلنقي فقد كان سالكا في طريق القوم علي الطريقة القادرية العركية فعندما وفد الامام محمد عثمان الميرغني الختم تمت مبايعته علي الطريقة الختمية وبل ان الاستاذ الختم نزل عند شيخ الحلنقة في مسجدة وبيته تحت سفح جبل التاكا..لم تكن كسلا مركز حيويا للطريقة الختمية الا بعد وصول السيد الحسن بن مؤسس الطريقة الختمية من مدينة بارا في غرب السودان وكانت امه من هناك...فاختار المنطقة الحاليه وانشاء مسجده واقام الشعائر الدينية فيه وقد كان خليفته من أبناء الشيخ الحبيب فكي يعقوب الخليفة مالك ومن بعده اخوه الخليفة احمد..

ظهرت أهمية كسلا الاقتصادية في عام 1860 م، كسوق تجارية رئيسية ومركز تجميع وتوزيع للسلع والبضائع والتجارة العابرة للحدود بين السودان وإريتريا. وكان عمران المدينة حتى ذلك الوقت ينحصر في قرية الحلنقة التي تقع إلى جنوبها، وقرية الختمية في الجنوب الشرقي والتي تفصلها عنها أراض زراعية واسعة. وقد شهدت المدينة تطوراً كبيراً حتى أصبحت في عام 1880 م، أهم مدن السودان الشرقي بعد سواكن.

المهدية[عدل]

عندما أعلن الامام محمد احمد المهدي دعوته بأنه المهدي المنتظر رفض بعض مشايخ الطرق الصوفية في البداية الاعتراف بدعوته.راسل الإمام المهدي شيخ الطريقة الختمية السيد محمد عثمان (الاقرب) ابن الاستاذ الحسن أبو جلابية نجل مؤسس الطريقة الإمام محمد عثمان الميرغني الختم طالباً البيعة له والاعتراف بمهديته، لكن شيخ الختمية رفض البيعة، ولم يكن المهدي في تلك الأيام مهموماً بامر الختمية بقدرما ما كان يهمه التخلص من حاميات الغرب حتى يتسنى له التوجه الي مدينة الخرطوم حيث كان يتحصن حاكم عام السودان غوردون باشا. وبعد تحرير الخرطوم قرر المهدي غزو كسلا ولكنه توفي قبل تحقيق ذلك فقام خليفته عبدالله التعايشي تور شين، بارسال حملة إلى كسلا.وصمدت المدينة فقرر قائد الحملة مصطفي كافوت ومساعده وهدل علي استخدام المفاوضات كحيلة للإستيلاء على المدينة التي صمدت لأكثر من ستة شهور قاوم خلالها مقاتلو الختمية وحلفائهم من القبائل كالحلنقة والمهلتكناب والهدندوة وعندما جاء الجميع للمفاوضات من بينهم السيد محمد عثمان الاقرب وابن عمه السيد بكري الميرغني وقادة المهدية وبعض خلفاء الطريقة الختمية وبعض قادة الدولة المهدية صوب قائد المهدية مسدسه نحو شيخ الختمية ليطلق النار التي اصابت واحداً من اتباعه كان قد القى بسرعة بجسده علي الشيخ فيما تمكن الآخرون من الهروب واصيب السيد بكري في فخذه في تلك الواقعة[بحاجة لمصدر]. وقام خلفاء الطريقة الختمية بتهريب شيخهم محمد عثمان الاقرب وابن عمه بكري الميرغني إلى خارج المدينة ومعه عددمن خلفائه من بينهم الخليفة محجوب مالك، وفكي يعقوب والشيخ محمد ادريس الرباطابي والجعلي. واستولى مقاتلوا المهدية ععلى المدينة وبدأوا حملة ثأر ضد القبائل التي كانت حليفة للختمية[بحاجة لمصدر].

الإحتلال الإيطالي[عدل]

خضعت المدينة لسيطرة قوات المهدي بقيادة الأمير عثمان دقنة حتى عام 1894 حينما أحتلها الطليان بعد انتصارهم على الأنصار في معركة كسلا ثم انسحبوا منها في عام 1897م، إلا أن غزوهم الثاني الذي حدث إبّان الحرب العالمية الثانية هو الأكثر أهمية، فقد دخلوا المدينة علي حين غفلة من حامية الجيش البريطاني وقاموا باعتقال ناظر قبيلة الحلنقة لأنه كان يمثل الزعامة السياسية القبيلية في المنطقة فتم نفيه إلى مدينة عصب الاريترية. لم يستمر الطليان في حكم كسلا الا بعض سنين فقد تمكن البريطانون من اخراجهم منها وطاردوا فلولهم حتي وصلو إلى مشارف أسمرة العاصمة الاريترية ومقر القيادة الايطالية.[بحاجة لمصدر] وهناك رأي يقول بأن الطليان قاموا بتسليم المدينة للجيش البريطاني باتفاق مع حاكم عام السودان المصري الإنجليزي اللورد كتشنر.[6]

الحكم الثنائي[عدل]

وقد ظهر في عام 1915م، إبان الحكم الثنائي البريطاني المصري للسودان بأنّ المدينة كانت مخططة ومنظمة مع وجود بقايا الأسوار القديمة. وبعد تراجع الطّابع العسكري واستتباب الأمن فيها أصبح يمتدّ حولها نطاقٌ أخضرٌ من الأشجار يُخفّف من حدّة الرّياح بدلاً من الأسوار التي كانت هي في حاجة إليها عند امتدادها في بداية نشأتها.

الحرب الإيطالية الإثيوبية[عدل]

انتعشت المدينة في فترة الحرب الأثيوبية الإيطالية بين عامي 1936 - 1939 م، وبدأت تشهد بداية لنهضة عمرانية، وذلك بإنشاء قنطرة تصل بين شرقي وغربي نهر القاش، حيث كانت تستخدم القوارب كوسيلةٍ للتنقل بين ضفتي النهر. وتمّ إنشاء حيّ (بانت) إلى الغرب من خط السكة الحديدية في الفترة نفسها.

الحرب العالمية الثانية[عدل]

عادت كسلا مرة أخرى إلى دائرة الأحداث الدولية خلال الحرب العالمية الثانية، عندما تقدمت في يوليو / تموز عام 1940 م، وحدة إيطالية تابعة لمستعمرة شرق أفريقيا الإيطالية من قواعدها في إريتريا نحو السودان الذي كان تحت سيطرة الحكم الثنائي المصري الإنجليزي. تمكنت الوحدة الإيطالية من دخول المدينة بعد انسحاب جنود الحامية البريطانية المكونة من لواء واحد. وفي منتصف ينايركانون الثاني 1941 م، انسحب الإيطاليون من كسلا تحت ضربات القوات الإنجليزية وعادت الحامية مجدداً إلى المدينة.

التاريخ الحديث[عدل]

بإستقلال السودان في عام 1956 م، إزدادت أهمية المدينة مرة أخرى ليس من الناحية العسكرية فحسب - حيث توجد فيها حامية عسكرية سودانية - بل من الناحية الاقتصادية والسياسية، فقد أفتتحت إثيوبيا قنصلية عامة فيها واستقبلت المدينة في فترات متعددة موجات متعاقبة من اللاجئين الإريتريين والإثيوبيين بما فيهم قادة سياسيين.

 

تعليقات

التنقل السريع